08 يونيو 2025, 10:47 صباحاً
كنا كثيرًا ما نردِّد أن أصعب ما في الحج ليس أداء الشعائر نفسها، بل تدبير الحاج -خصوصا التابع للحملات الخارجية- لأموره الحياتية كالإقامة والتنقّل وتفاصيله الصغيرة، التي قد تبدو هامشية لمن لا يعيش التجربة. هذه الأمور تؤثر على الحالة النفسية والروحانية للإنسان في واحدة من أعظم الرحلات التي قد يقوم بها في حياته.
مؤخرًا، سمعت عن تجربة جديدة لفتت انتباهي، تحمل اسم «منصة التسكين الذكي». ومن اسمها يتضح أن هناك خطوة جادة نحو حلّ جذري لتحديات التسكين في الحج. عادةً ما يُنظر إلى التقنية على أنها رفاهية أو إضافة هامشية، لكن عندما تتعلّق براحة الناس في رحلة مقدسة كهذه، فالأمر ليس رفاهية، بل ضرورة حقيقية.
المنصة الجديدة، كما فهمتها، لا تكتفي بتسكين الحجاج عبر جداول وإجراءات إدارية تقليدية، بل تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي وخوارزميات متقدّمة تأخذ في الحسبان عوامل حقيقية مثل موقع السكن، ومسافة التنقّل، واحتياجات الحاج نفسه، وحتى البعثة -الحملة- التي ينتمي إليها. ما يعني أنها تتعامل مع الحاج بوصفه إنسانًا قبل كل شيء، وتفهم احتياجاته قبل أن يُعبّر عنها.
الفكرة هنا ليست مجرد «تطبيق إلكتروني» أو «نظام حاسوبي»، بل كما فهمت من توجّه شركة إثراء الضيافة القابضة، تكمن في الحرص على التعامل مع الحاج بطريقة استباقية وإنسانية، تراعي احتياجاته قبل أن تتحوّل إلى تحديات، ليظل تركيزه منصبًا على الجانب الروحاني من الرحلة، بدلًا من الانشغال بأمور حياتية قد تُرهقه.
أكثر ما شدّ انتباهي في هذه التجربة هو طموحها الكبير في مواجهة التحديات مثل الزحام والتأخّر في إيجاد أماكن الإقامة، من خلال تقنيات متقدّمة تسعى لتقليل تلك الصعوبات قدر الإمكان. وإذا نجحت هذه المنصة في تحقيق ولو جزء مما تعد به، فهذا يعني تخفيفًا كبيرًا من العبء الذي يتحمّله الحاج عادةً في البحث والانتظار، وبالتالي زيادة قدرته على التركيز في روحانية الرحلة ومعناها الحقيقي.
كما أقدّر كثيرًا تلك التفاصيل الصغيرة التي أضيفت، مثل استخدام خرائط تفاعلية تساعد الحاج في الوصول السريع إلى مكان إقامته. هذه التفاصيل هي التي تجعل التجربة في مكة تجربةً روحانية وإنسانية، لا تُشغل الحاج عن هدفه الحقيقي من الرحلة.
اليوم، إعلان لخدمات ذكية تقدمها الشركة عندما نسمع عن «الذكاء الاصطناعي»، فإن أذهاننا غالبًا ما تذهب نحو المشاريع المستقبلية الضخمة والمعقّدة، لكن هذه المنصة أثبتت لي أن الذكاء الحقيقي هو أن تُسخّر التقنية لخدمة الناس مباشرةً، أن تسبق احتياجاتهم قبل أن تُطلب، وأن تجعل رحلة الحج أكثر هدوءًا وتنظيمًا وطمأنينة.
في نهاية المطاف، يظلّ الحج تجربة إنسانية عميقة لا يمكن اختزالها في مشاريع أو مبادرات. وما تقوم به هذه المنصة هو خطوة مهمة لتساهم بجعل تلك التجربة أسهل وأكثر راحة، لأن التقنية يجب أن تظل في جوهرها وسيلة، وأن يكون الإنسان هو الغاية.
0 تعليق